القلاع والحصون التاريخية
تعتبر القلاع والحصون من أبرز المعالم التاريخية التي شيدت منذ آلاف السنين, فهي رمز حضاري وتراثي ثمين, تشهد لماضيها العريق وتشير إلى أهمية موقعيتها على صفحات التاريخ, وما أدته من دورحيوي وبارز في خدمة الأمم والشعوب.
وهي نتاج تراكمي لعقود طويلة من المعارف الإنسانية إجتمعت فيها الخبرات والتجارب, وإنصهرت فيها القيم الدينية والبيئية والإقتصادية والإنسانية والعسكرية والعادات والتقاليد لتشكل حضارة, فحضارة مجتمع هي حصيلة تجاربه وإنجازاته, و شواهده ومدلولاته التي تشير إلى كل مرحلة من مراحل تطوره, وشواخصه ألأثرية التي إندثر بعضها وبقي البعض الآخر ليدل عليه كما هي اليوم.التاريخ
إتخذت القلاع أهميتها في العصور الإقطاعية حيث كانت أوربا تعيش حروبا مستمرة, وكان الناس بحاجة إلى الأمن والإستقرار, فاتخذوا القلاع ملجأ للحماية, فعرفت الموسوعات
القلاع بأنها منزل السيد الإقطاعي وحصنه.
وباعتبار أن الغزو في العصور الجاهلية سمة من سمات توسع الدول والممالك والتعصب القبلي والهجوم المباغت – صراع من أجل البقاء – فقد كان التحصن آلة للدفاع عن النفس والقبيلة والدولة, ورغم شمولية الدين الإسلامي وتوسعه وإمتداده في أصقاع الأرض وإنه جاء ليطهر المجتمعات من هذه المفاهيم إلا أنه مع ذلك بقيت الحصون والقلاع في – بلاد العرب –
تمثل قوة للدولة في الدفاع عن نفسها من غزو وإعتداء الآخرين.
فالقلعة (CASTLE) هي حصن أوموقع دفاعي تشيد على تل أو رابية أو فوق جبل أو على سفحه, وعادة ماتتكون من عدة أبراج حجرية ضخمة مربعة أو دائرية الشكل تتصل بأسوار منيعة ذات فتحات يقف خلفها المقاتل للدفاع عن حياض وطنه فيلقي منها سهامه في نجوة من أعين المهاجمين.
وكانت القلاع تمثل بيوتا للحرس, وتؤمن الحماية والحراسة من عمليات التسلل بين دولة وأخرى, وتقوم أحيانا بدور الحدود التي تفصل بين الدول والمواطن المجاورة, لهذا عادة ما يستحكم سور القلعة بشكل مثبت وقوي يضم بين جنباته فتحات إطلاق نار ومخابئ.
فكانت القلاع والحصون إلى وقت ليس بعيد مصدر سلطان نفوذ الدولة, وكانت قاعدة أساسية للممالك والدول وإمبراطوريات العصور القديمة التي تأسست في موطن العرب ومهد الحضارات.,
فالقلعة مكان إستقرار الحاكم والحصن يدافع به عن نفسه من مهاجمة الأعداء وأطماع الغير.
الإعمار والبناء
بناء القلعة يكون محكما, يتميز بسعة القطر والمساحة وعلو الإرتفاع في أسوارها وجدرانها, تضم بداخلها آبار متعددة يترواح عددها م7-10 آبار تقريبا, وفتحات متعددة لمرابطة المقاتلين والمدافعين, وتضم بداخلها مواقع متعددة تستخدم كسجون لتنفيذ العقوبات ضد مرتكبي المخالفات والجرائم.
و تبنى القلاع عادة إما على حافة سهل, أوحافة بحر أو وسط سلسلة من الجبال, وتستخدم أدوات البناء حسب البيئة الطبيعية التي تشيد فيها القلعة, فبعض القلاع مصنوعة من حجارة الجبال المنحوتة, وبعضها من الجص والطين والطابوق أو من السعيفات وأعواد الصندل والكندل والليف ومادة تسمى الصاروج وترتبط القلاع بحصون ذات ممرات طويلة معقدة تؤدي إلى أنفاق سرية وأبراج محصنة في الجهات الأربع.
وعندما نتأمل القلاع على إختلاف مواقعها فإننا نلاحظ إشتراكها في هيكلية تصميم واحدة, وذلك من حيث:
1- تبنى القلاع بفن دفاعي كبير وذوق معماري رفيع في نقوشاتها الرائعة, وجدرانها السميكة, وأبراجها العالية, وسقوفها المطلية, وأقواسها المتعددة.
2- تتكون أكثر القلاع من طابقين, يوجد بالطابق الأرضي (مساكن صغيرة ومظلمة) تعد مخازن للأسلحة, وغرف إستقبال كبيرة, وبوابات ضخمة وآبار، و بعض القلاع يضم إضافة لذلك مسجد للصلاة, وقاعات دراسية لتعليم القرآن والعلوم والمعارف الدينية.
3- تحتوي الطوابق العليا على فتحات مدافع متفرقة, كما توجد مساقط لصب الزيت أو عسل التمر المغلي على المهاجمين دفاعا عن النفس.
4- خارج القلعة عادة مايضم 4-6 بوابات كبيرة, وأبراج دائرية مجوفة, ومجموعة كبيرة من الحصون, وتحوط أكثر القلاع مجموعة كبيرة من الأشجار والنخيل.
وظيفتها وأهمية حصونها
كانت القلاع تقوم بدورين أساسيين المسكن والحصن, وقد دعت له ظروف الحياة في العصور الخوالي التي كثر فيها القتال, ويعتقد بعض المؤرخين أن القلاع بدأت في الشرق العربي في أيام الأيوبيين في سورية ومصر, وقد وصل بناء القلاع إلى أزهى مراحله في القرن الثاني عشر. وإن كان الصواب أن العرب عرفت القلاع في مرحلة مبكرة من تاريخهم قبل الإسلام, ومثال ذلك قلعة الكرك بالأردن والتي يرجع تاريخ بنائها إلى سنة 826 ق.م.
إن أقوى أقسام القلعة هو الحصن, والحصن لغة: حصن يحصن حصانة المكان: صار منيعا
يحصن البلد ويعلوشأنه برجاله, الحصن: المكان المنيع.
و البرج المحصن هو بناء شاهق يشبه البرج وله جدران سميكة, وكان بالإمكان الدفاع عن هذا الحصن بيسر حتى وإن تم الإستيلاء على بقية القلعة أو تدميرها.
وتعتبر الحصون هي المركز الرئيسي للدفاع عن المدن والتحصن من الأعداء, وأيضا مقرا للحكم, ومخازن للذخيرة والمؤن والعتاد وقوت العيش, وحامية للملوك والأمراء في بعض الدول, كما أستخدمت سجنا للمخالفين, ومقرا لإجتماع أهل الولاية وإدارة شؤون الدولة او القبيلة, وأيضا إستخدمت كمضيفا يستقبل فيه الزوار. وقد كانت معظم الحصون منيعة, حيث أن المهاجمين قد يحاصرون أي حصن مدة شهر أو أكثر دون جدوى وذلك لحصانته المنيعة حيث يعد إقتحامه أمرا عسيرا, ولايمكن أن يتم تغيير أي حكم ما مالم تتم السيطرة على تلك الحصون.
ويتألف الحصن من دور سكنية ومكاتب ومجالس ومستودعات, وكذلك إسطبل وزرائب ويكون في جوانبه وزواياه أبراج الدفاع التي عادة لاتقهر, ولهذه الأبراج فتحات خاصة يرمى من خلالها بالسلاح عن طريق البنادق والسهام.
ورغم العدد الكبير من القلاع والحصون التي وجدت في العالم العربي عبر تاريخه الطويل وفي دول الخليج خاصة, فإضافة إلى عوامل التعرية والحروب, كان تدخل الإنسان فبغية للتطور والطفرة النفطية والإقتصادية في الستينات, ومارافق ذلك من طفرة عمرانية هائلة أدى ذلك لمحو آثار الفقر والتخلف الذي كان سائدا من قبل, فقد أدى هذا النموالمتسارع إلى هدم مباني وأحياء تراثية عديدة, والتي تضمنت العديد من القلاع والحصون فمعظمها إندثر, وجزء منها لايزال باقيا إلى يومنا هذا يحاكي الزمن ويرثي الحال ربما تصيغه حكايات الماضي أو يسطره التاريخ للأجيال القادمة.





م/ن