دروب المُحبين | D55R ™

موقعة حطين
الدور التمهيدي في الحرب بين صلاح الدين والصليبين
اذا نظرنا للحروب التي مرت بين صلاح الدين ضد الصليبين ان تلك الحروب مرت بدورين كبيرين :الدور الاول الذي امتد من سنة (570 -582)ولم يكن صلاح الدين في هذا الدور متفرغا لحرب الصليبين وانما وجه جل جهوده نحو توحيد الجبهة الاسلاميه وادخا ل القوى الاسلاميه المبعثره في الشام وشمال العراق تحت سيادته ليتمكن من مواجهة الصليبين فيما بعد ومن خلفه جبهة قويه متحده تشد ازره واذا كان صلاح الدين قد اشتبك مع الصليبين في حروب في ذلك الدور فان هذه الحروب يغلب عليها الطابع الدفاعي اما لحماية املاك المسلمين وارضيهم واما ليحول بين الصليبين ومساعدة بعض القوى الاسلاميه الانفصاليه التي اعمتها شهوة الحكم عن رؤية الخطر الخارجي فاستعانت بالصليبين ضد صلاح الدين واما الدور الثاني من ادوار الحرب الصلاحيه ضد الصليبين فيمتد من سنة (582_588)وفيه كان صلاح الدين قد فرغ من توحيد الجبهة الاسلامية من الفرات الى النيل فانصرف بكل طاقاته الى فكرة الجهاد حتى حقق الانتصارات ففي الدور الاول خشي الصلبيين عاقبة جهود صلاح الدين في الشام لتوحيد القوى الاسلاميه فتدخل ريموند الثالث امير طرابلس والوصي على مملكة بيت المقدس للحيوله دون استيلاء صلاح الدين على حلب وفعلا نجح مؤقتا سنة 570 للهجره في صرف صلاح الدين عن قصده وعلى الرغم من ان ريموند قام بدوره في مهارة في التظاهر بحماية الزنكيين من اطماع صلاح الدين الا ان صلاح الدين اظهر ثباتا عجيبا فظل يحارب الزنكيين حينا ويدافع الصليبين حينا اخر مع حرصه الشديد في ذلك الدور على عدم توسيع دائرة الحرب ضد الصليبين حتى لايحارب في جبهتين في وفت واحد وربما احتدت الحرب بين صلاح الدين والصليبين في وقت واحد واحتدت الحرب بين صلاح الدين والصلبيين في ذلك الدور لكنها لم تتخذ صورة الحرب الشامله والصليبين انفسهم كانوا يعانون اضطرابا كبيرا في احوالهم الداخليه
اذ كان بلدوين الرابع ملك بيت المقدس مريضا بالجذام ومشكله العرش ووراثته تثير كثيرا من المنافسات بين امراء الصليبين فضلا عن اختلال احوال امارة انطاكيه في الشمال وهكذا حتى استولى صلاح الدين على امارة حلب ثم دخلت الموصل تحت طاعة صلاح الدين
صلاح الدين ومملكة بيت المقدس
هجمات صلاح الدين على مملكة بيت المقدس اخذت تشتد فعلا بعد استلائه على حلب وفي ذلك الوقت كانت مملكة الصليبين قد بلغت درجه شديده من الضعف بعد ان ساءت احوال ملكها المريض و وضع عرش المملكه تحت وصاية جاي لوزجنان وهو امير ضعيف اتصف بالتردد وسوء التدبير وقد استولى صلاح الدين على بعض المعاقل الصليبيه في تلك السنه ثم حاول ان يستدرج خصومه للدخول معه في معركه فاصله في فلسطين ولكن الصليبين لم يخرجوا الى المصاف خوفا من المسلمين على ان صلاح الدين لم يلبث ان فكر في اتخاذ خطوه حاسمه ضد الصليبين نتيجه لاستفزاز الامير ارناط الصليبي صاحب حصن الكرك واثتهر ارناط بحبه للسلب والنهب والاعتداء على الابرياء المسلمين لذلك فانه لم يكتف بقطع طرق القوافل بين مصر والشام والحجاز وانما لجاء الى تهديد الحرمين في الحجاز وقد بدا ارناط مشروعه الغريب بالاستيلاء على ايله وهي الميناء الهام على راس خليج العقبه ثم لجاء ارناط الى بناء عدة سفن حملت اجزاؤها مفككه الى خليج العقبه حيث ركبت وشحنها بالمقاتلين واتجه على راسها لمهاجمة المواني الاسلاميه في البحر الاحمر ولم يكتف ارناط بالعدوان على المواني المصريه مثل عيذاب بل نقل نشاطه الى شاطىء الحجاز حتى المقريزي يذكر ان الصليبين اضحوا على مسيرة يوم واحد من المدينه المنوره والعدوان على الحرمين امر لايمكن ان يغفره او يسكت عنه المسلمون فاسرع العادل اخو صلاح الدين الى ارسال اسطول قوي في البحر نجح في تدمير السفن الصليبيه واسر كثير من رجالها في حين فر ارناط بصعوبه ورد صلاح الدين على عدوان ارناط بحصار حصن الكرك ولكنه لم يستولي عليه لقوة تحصينه وكان صلاح الدين مشغولا حينئذ بتنظيم الاوضاع الداخليه في دولته واحلال ابنائه محل اخوته وابناء عمومته في حكم اجزاء دولته الكبيره فاكتفى بعقد هدنه مع الصليبين مدتها اربع سنوات وكانت هذه الهدنه عظيمه للطرفين اذ اتاحت لصلاح الدين فرصه لتنظيم دولته وكذلك اتاحت للصليبين فرصه ذهبيه لتصفيه كثير من المشاكل الداخليه التي نشبت دولتهم بعد وفاة بلدوين الرابع لكن ارناط لم يشاء بحماقته المعهوده ان يترك الصليبين ينعمون بتلك الفرصه فتعجل في اثارة الحرب مع صلاح الدين وهي الحرب التي جاءت كارثه على الصليبين عموما
موقعة حطين
في الوقت الذي ال امر المملكه الصليبيه الى جاي لوزجنان ذلك الملك الضعيف كان ارناط قابعا في حصن الكرك جنوبي البحر الميت وهو الحصن الذي كان يتحكم بموقعه الفذ في طرق المواصلات بين مصر والشام والحجاز ولذلك لم يلبث ان انقض فجاة على قافلة كبيرة للمسلمين كانت متجهة من القاهره الى دمشق والثوره الضخمه التي كانت تحملها القافله اسالت لعاب ارناط فنصب لها كمينا واستولى على كل ماتحمله من ثروه وبضائع واسر رجالها في حصن الكرك وارسل صلاح الدين مهددا طالبا منه رد الاسرى والغنائم ولكن ارناط ابى ذلك ورفض رجاء جاى لوزجنان نفسه عندما امره برد الاسرى والغنائم الى صلاح الدين وهكذا لم يبق امام صلاح الدين الا الحرب فقام بحركه تعبئه شامله لجميع قوى المسلمين ومواردهم البشريه والماديه وقد اختار صلاح الدين ان يقيم في تلك المرحله بدمشق ومن ذلك المركز اخذ ينظم تحركات قواته من مصر وحلب والجزيره ودياربكر وعندما اكتملت استعدادته خرج صلاح الدين من دمشق فقصد الكرك اولا ونازلها وقطع اشجارها ثم قصد الشوبك وفعل بها مثل ذلك ثم اتجه بعد ذلك الى بنياس قرب طبريه لمراقبة الموقف وفي ذلك الوقت جمع الملك جايلوزجنان جيوشه في القاهره فدارت المعركه الاولى بين المسلمين والصليبين قرب صفوريه وفيها سقط معظم الجيش الصليبي بين قتل واسرى هذه الكارثه التي حلت بالصليبين جعلت ريموند الثالث يفيق الى رشده فنقض تحالفه مع صلاح الدين واجتمعت الجيوش الصليبيه في صفوريه استعدادا للانتقام وقد رد صلاح الدين على ذلك بمهاجمه طبريه التي كانت للصليبين فاقتحمت جيوشه المدينه واحرقتها وان لم يستطع المسلمون الاستيلاء على قلعتها ويؤكد المورخ ابوشامه ان صلاح الدين استهدف من مهاجمه طبريه ان يجبر الصليبين على ترك موقعهم عند صفوريه فيتمكن من انزال الهزيمه بهم بعد ان يعتريهم التعب لطول الطريق وحرارة الجو ونجحت خطة صلاح الدين فتحرك الصليبين للدفاع عن طبريه وساروا في ظروف قاسيه بسبب حرارة الجو وقلة الماء ومشقة الطريق وعندما علم صلاح الدين بزحف الصليبين تجاهه سر سرورا كبيرا وقال (جاء مانريد!)و وصل الصليبين الى قرون حطين وهم في حاله سيئه من الانهاك والعطش في الوقت الذي كان المسلمون ينعمون بالماء العذب والظل المديد ودرات موقعة حطين بين صلاح الدين والصليبين فاحاط المسلمون بخصومهم ولم يجد الصليبيون مخرجا سوى التراجع نحو قمة الجبل وقتل معظهم وانهارت قوة من نجا فاستلموا للمسلمين وكان من جملة الاسرى الملك جاي لوزجنان وارناط صاحب حصن الكرك ومقدم الداويه فسيقوا جميعا الى صلاح الدين في خيمته حيث احسن استقبالهم ماعدا ارناط الذي قتله صلاح الدين وفاء لقسم له
استيلاء صلاح الدين على ساحل الشام وبيت المقدس
تعتبر موقعة حطين نقطة تحول خطيره في تاريخ الحروب الصليبيه لان الصليبين لم يفيقوا مطلقا من تلك الضربه التي اودت بزهرة فرسانهم ولم يكن منتظرا من مملكة بيت المقدس بعد فناء جيشها واسر ملكها ان تستطيع الصمود والمقاومه الامر الذي مكن صلاح الدين من تحقيق مكاسب ضخمه عاجله على حساب الصليبين وصلاح الدين تحلى في ذلك الدور من ادوار حروبه ضد الصليبين بصفات التسامح والمروءة والشهامة والبعد عن التطرف وكان من المفروض ان يتجه صلاح الدين بعد حطين صوب بيت المقدس ليستولي عليها في سهولة بعد ان غدت المملكة الصليبيه دون جيش يدافع عن عاصمتها ولكنه اثر ان يتجه اولا الى الموانىء الساحليه ليحرم الصليبين من اية معونه تاتي من غرب اوروبا عن طريق البحر وبعد ذلك يسهل عليها انتزاع المدن والقلاع الداخليه من الصليبين واستياء صلاح الدين على موانىء فلسطين من شانه ان يهياء له اتصالا بحريا سريعا وسهلا بين شطري دولته الشام ومصر وهكذا استولى صلاح الدين على عكا في سهولة اذ استلمت له المدينه بسهوله بمجرد رؤية الجيش الاسلامي والسياسه الرحيمه التي اتبعها صلاح الدين مع اهل عكا ساعدته في الاستيلاء على كثير من المدن الساحليه والداخليه فيما بعد فارسل جيوشه للاستيلاء على المعاقل القريبه حتى تم للمسلمين الاستيلاء على الناصرة وقيساريه وحيفا وصفوريه هذا في الوقت الذي زحف العادل اخو صلاح الدين من مصر واستولى على يافا في حين سقط حصن تبنين وصرفند وصيدا في ايدي المسلمين كذلك استولى صلاح الدين على بيروت وجبيل وعسقلان التي ابدت مقاومه عنيفه وكان صلاح الدين يترك الحريه لاهالي معظم هذه المدن التي استولى عليها في ان يبقوا او يرحلوا ورحل معظمهم الى صور حيث اجتمع كل افرنجي بقي في الساحل وهذا الخطا من صلاح الدين ترتب عليه تجمع جميع عناصر المقاومه الصليبيه في مدينة صور الامر الذي ادى الى استحالة صلاح الدين عليها من ناحيه والى اتخاذها مركزا لاحياء مملكة بيت المقدس فيما بعد من ناحيه اخرى وعندما ادرك صلاح الدين ان امر صور غدا صعبا اثر ان يتجه الى داخلية فلسطين للاستيلاء على بيت المقدس وكان اهل بيت المقدس قد استفادوا من الفرصة التي اتاحها لهم اتجاه صلاح الدين الى الساحل بعد حطين وحصنوا مدينتهم فرفضوا ان يستجيبوا لنداء صلاح الدين ويسلموا المدينه له مقابل تامينهم وعندما راى صلاح الدين عناد الصليبين في بيت المقدس اقسم على ان يستولي على المدينه بحد السيف فبدا هجومه على المدينه من الجهة الشماليه وعندئذ ادرك الصليبيون استحالة المقاومة فطلبوا الامان بعد ان رفضوا عروضه السابقه حتى وافق صلاح الدين اخيرا على ان يسمح لهم بالخروج سالمين مقابل فداء معين عن كل رجل او امراءه او طفل ودخل صلاح الدين بيت المقدس 583للهجره وشاءت الظروف ان يوافق دخوله ذكرى ليلة الاسراء والمعراج فاحتفل المسلمون بهذه المناسبه الدينيه في بيت المقدس واحسنوا معاملة الصليبين مماجعل كثير من المؤرخين الاوروبين يشيدون بتسامح صلاح الدين وبالفرق بين معاملة للمسيحين ومعاملة الصليبين للمسلمين عندما استولى على بيت المقدس
ك/مصر والشام في عهد الايوبين والمماليك