عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /04-13-2023   #1

نظرهـ خجولهـ

الصورة الرمزية نظرهـ خجولهـ


 

+  عُضويتيّ : 529
+  تسجيليّ : Oct 2011
+  مَلآذيّ : ببيتنا يعني وين هع
+  مُشآركاتيّ : 10,693
+  نقآطيّ : 190330
+  sms |

صدمة شعوري بالبشر ماهي غريبة

 

 


نظرهـ خجولهـ غير متواجد حالياً

1 (47) قصة الرجل المثري مع صاحبه


قصة الرجل المثري مع صاحبه




كان رجل مثرٍ قد أعطاه الله من أصناف المال المتنوع

من : عقار ،

ونقود ، وعروض ، أموالاً كثيرة .

وكان له صاحب يعرف منه النصح والعلم .

فقال لصاحبه ، شاكيا له الحال :

ألم تر ما أنا فيه من الغنى الواسع ، والأموال الكثيرة ؟

والناس كالمتفقين على أن من كان كذلك ، فقد حصلت لـــه السعادة

الدنيوية ، والعيش الهين ، والحياة السعيدة . وأنا - فيمــا أنا فيه -

لم أدرك ما ذكروا ، ولم أزل أتنقل من هم إلى كدر ، ولم تحصل لي

اللذة الصحيحة في حياتي . فأحب أن ترشدني - يا صاحبي - إلى

الحياة السعيدة ، وإلى الراحة في حياتي .

فقــال لـه صاحبه : يا أخي ! اعلم أن من أتى الأمور من غير أبوابها

وطرقها ، وسلك للمنافع غيــر مسالكها لم يدرك المطلوب ، ولم ينج

من المرهوب . وأنت جعلت الدنيا أكبر همك ، ومبلغ علمك، وحبيبك

الوحيد الذي ملك عليك ظاهرك وباطنك ، ومشاعرك وحواسك كلها .

ومـن كان كذلك فهو طبعا لا يستريح في دنياه ، فإنه إن حصل عليه

كساد ، أو خسارة في بيع وشراء ، أو نقص فـي ثمار ، أو تشوشت

عليه الأسباب في جهة من جهات دنياه ، فإنه في كدر ، فضلا عـــن

الأكدار التي تنتابه من جهة الأهل والعائلة والمعاملين والمعاشرين،

واختلاف الإرادات، وتعذر الاتفاق، والانسجام بينهم من كل وجه ،

أو تعسر ذلك .

فقال له المثري : صدقت ، من هذه الجهات كلها ومن غيرها، يأتيني

الكدر ، والهم ملازم لي في كل أحوالي ، فهل من سبيل إلى تخفيف

ذلك ، أو زواله بالكلية ؟ فقد ضاقت علي الحيل والمحاولات ،

وأنا حريص على راحة نفسي بأي سبيل .

فقال له صاحبه : يأخي ! السبيل واضح ، ولكن ما دامت خطتك على

هذا المنوال ، فغير ممكن لك العيشة الهنيئة ، فإن غيرت خطتك ،

وفهمت ما أقول لك ، وعملت عليه ، رجوت لك الخير ، والحياة

الطيبة السعيدة .

فأول ذلك : أن تعلــم علــم اليقين أن الدنيا والأموال المتنوعة ليست

هي المقصود لذاتها، وإنما هي مقصودة لغيرها، ووسيلة يتوسل بها

العبد إلى منافعه الحقيقية ، ومطالبه الأبدية ، وسعادته الأخروية .

فــاجـعل - يا أخي - هـــذا المعنى الذي لا يستريب فيه العقلاء نصب

عينيك ، وقبلة قلبك ، ثــم اسع فــي تحصيل الدنيا وفــي تصريفها ،

وفي تدبيرها - من كل جهة - على هذا الأساس ، واستصحب النية

الصادقة في جميع نواحي حياتك ، سعيا وتدخيلا وتصريفا .

فـإذا عاملت الناس ببيع وشراء وتأجير ومشاركات وغيرها ، فاقصد

بذلك القيام بالواجبات والمستحبات، والاستغناء عن الخلق، واقتصر

على المعاملات الطيبة الحلال . واجتهد في أن تكون مكاسبك كلهـــا

حلالاً، وأن تصرفها في الواجبات من الزكاة والنفقات، والمستحبات

وتوابعها . تقرب بذلك إلى الله ، واحتسب عنـــده الأجــر والثواب ،

واحمد ربك الذي أقدرك علـى المال ، ثم وفقك في صرفه في الوجوه

النافعة التي تبرئ بها ذمتك ، وتكتسب بهـا الأجر العظيم عند الله ،

وتكــــون لك مغنما لا مغرما . فإنك إن فعـلــت ذلك ، هانت عليـــك

النفقات ، وبذلتها بسماحة ورغبة ، وعلـم بأنها تكسب لك أمثالها

أضعافا مضاعفة . ومــع ذلك ، فـإذا حصل فيها ما تحب من زيادة

ونمو وكمال، فأكثر من حمد الله وشكره، وإذا حصل فيها ما تكره،

فاحتسب ذلك عند الله ، واعتبرها من المصائب التي يعوض الله

الصابرين عليها من الأجر أضعاف أضعاف ما فاتهم .

فإنك إن وفقت لذلك ، حصلت لك الحياة الطيبة ، وهـــي راحة القلب

وطمأنينته ، وطمعه في فضل الله وثوابه في كل حالة ، وفــي كـــل

وقت .ومع ذلك، فإنه لا يفوتك من نصيبك من الدنيا، ولا من لذاتها

شيء ، بل تستوفيها كاملة هنيئة ، تفوق فيها لذة المترفين

ونعيمهم ، ويجمع الله لك بين خيري الدنيا والأخرة .

واعلم أن هذا ليس بعسير ، بل هو يسير على من يسره الله عليه .

ومن ذاق طعم هذه الحياة، علم أن هذه الحياة التي يسعى لها الخلق

وأرباب الدنيا وجمهورهم ، لم يدركها الساعي بل مات بغمه

ولم يذق لها طعما .

ولكنك - يا أخــي - تحتـاج إلى تمرين كثير ، وتغيير لطبيعتك الأولى

حيث ملكت الدنيا عليك مشاعرك وأمورك كلها ، وتستعين الله على

ذلك ، فمن توكل عليه أعانه وكفاه .

فوا أسفا لمن أعطوا نصيبا من الدنيا فخسروها ، وأعطوا الأسباب

التي تدرك بها الخيرات فلم يستعملوها ، ووهبت لهم المواهب

المتنوعة فلم ينتفعوا بها ، ويستغلوها !

وما أحسن ما قاله الحكيم في شعره :

ولم أر في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام !

كتاب الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة فـي العقائد والفنون

المتنوعة الفاخرة ( ص 193 )
للشيخ عبدالرحمن السعدي



 

 

 


 

..سبحان الله وبحمدة.

 

  رد مع اقتباس