حتّى نفهم ما يقال وليس ما نريد أن نفهم ..
لماذا ينبغي أن نقول ما نعني ونفهم ما يعنيه الآخرون؟
مقدرة التفكير بوضوح هي المكوّن المحوري للتفكير النقديّ. فحتّى نجيب على سؤال أو نقيّم زعماً لا بدّ لنا من أن ندرك حقاً ماذا يعني ذلك السؤال أو الزعم. وحتّى نتواصل تواصلاً دقيقاً ونتجنّب سوء الفهم يجب أن نحترس من الغموض أو التشابُك.
بالتأكيد هنالك الكثير من النصوص التي لا يلزم فيها الوضوح والدقة أو حتّى لا تستحبّ أبداً، فالكثير من الطرف ومن قصائد الشعر إنّما تقوم روعتها على استغلال غموض اللغة. وفي بعض الأحيان نقطع وعوداً غائمة حتّى نترك لأنفسنا المزيد من المرونة وحرية التصرّف مستقبلاً.
ولكن هناك أيضاً الكثير من المواقف التي يصبح التفكير الواضح وتحليل المعنى مطالب مهمةً لا غنى عنها، مثل:
• لدى تناول الكثير من القضايا المجرّدة فإنّ المطلب الأوّل هو توضيح المصطلحات الأساسية أو المفاهيم.
مثلاً: لتناول مسألة عدم انسجام القيم الآسيوية مع حقوق الإنسان لا بدّ لنا أوّلاً من التوضيح الدقيق للمقصود "بالقيم الآسيوية" و"حقوق الإنسان"
• تطوّر العلم يقتضي تولّد نظريات علميّة ومفاهيم جديدة. وحتّى يمكننا رؤية كيفية استخدام هذه المفاهيم في التفسيرات والافتراضات العلمية لا بدّ لنا من ان نرسم لها تعريفاتٍ صحيحةً وافية.
• يحتاج المجتمع إلى قواعد وتشريعات لتنسيق وضبط السلوكات المختلفة. ومجموعة القواعد الناجحة ينبغي أن تكون واضحة الصياغة حتّى لا تكونَ سبباً في توليد النزاعات وحتّى يمكن استخدامها في حل النزاعات، وحتّى يعرف الناس معرفةً مستقرّةً السلوك المقبول المنتظر منهم.
• مهارات التواصل الممتازة تقتضي القدرة على توصيل الرسائل المؤدّية للمعنى المقصود، واستيعاب المعنى الكامن فيما قيل وفيما لم يُقل.
إدراك المعاني الحرفيّة
المعنى الحرفيّ هو أحد الخصائص المهمّة في التعبيرات اللغوية. تقريباً، يمكن القول إن المعنى الحرفيّ لمجموعة مترابطة من الكلمات تقرّره السمات القواعدية الملاحظة في كلٍ من تلك الكلمات، والمعاني المصطلح على ربطها بها.
إن المعنى الحرفي لأيّ بيان ينبغي تمييزه عن مغزاه الحواريّ conversational implicature.
(المغزى الحواريّ: هو المعلومات المؤدّاة ضمنيّاً في سياق حواريّ معين، مبتعدةً أومفارِقةً تماماً لمعنى المقولة الحرفيّ)
مثلاً :
لنفترض أننا نسال صديقنا باسلاً "ألا تحبّ الذهاب معنا إلى النزهة؟" ثم نسمعه يقول "ماذا؟ إنّني مرهق جداً.. بل محطّم!"
في هذا المثال نلاحظ أنّنا نستنتج ببساطة أن صديقنا باسلاً لا يريد الذهاب إلى البستان،
وذلك على الرغم من أنّ هذا الاستنتاج ليس متضمّناً في المعنى الحرفيّ لمقولته وإنّما أوصله إلينا توصيلاً ضمنيّاً.
وفي مثال آخر لنفترض أنّ شيماء تخبرنا أنّ باسلاً "يحبّ الكتب".
للوهلة الأولى نفهم أن شيماء تعني أنّ باسلاً يحبّ القراءة، وقد يغيب عن بال كثيرٍ منّا أن هذا معنى ضمنيّ حواريّ وليس جزءاً من المعنى الحرفيّ لما قالته شيماء، وهكذا يفاجأ هؤلاء عندما يعرفون أن باسلاً يحب الكتب لأنّه يعتبرها وسيلةً جيدةً للاستثمار أو لأغراض أخرى لم تخطر في بالهم. ومع اختلاف الحقائق هذا يبقى قول شيماء الحرفيّ صحيحاً.
يلقي المثال الأخير الضوء على نقطة مهمة هي أننا عندما نريد أن نمتحن حقيقة مقولةٍ معيّنة
فإنّنا ينبغي أنّ نمسك بمعناها الحرفيّ وليس بمغزاها الضمنيّ الحواريّ، وتبدو أهمية هذا الأمر خصوصاً في السياق القانونيّ
إنّ فحوى العقود القانونية تقدّم نموذجياً من خلال المعاني الحرفيّة لمواد العقد، وعند نشوب نزاع حول العقد فإنّه يسوّى بالاستناد إلى المعاني الحرفية لنصوص العقد وليس بناءً على تصوّر هذا الطرف أو ذاك للمعاني الضمنيّة التي يمكن أن تحملها تلك النصوص.
أمثلة على استكشاف المعاني الحرفيّة:
• في السطور التالية رسالة توصية وتعريف مكتوبة لطالب. اقرا كلماتها وتأمّل: هل ترى كيف أنّ المعنى الحرفيّ لهذه الرسالة لا يقول "إنّه طالب جيدٌ ومجدّ"؟ تقول الرسالة: إن مهارات هذا الشاب ينبغي للمرء رؤيتها حقيقةً حتّى يصدّقها، وسوف يدهشكم مقدار ما لديه من معارف.
من الصعب جداً العثور على شخصٍ بمقدراته ذاتها. لقد ترك انطباعاً عميقاً لدى كلّ المدرّسين في القسم. وسوف تكونون محظوظين إن تمكّنتم من جعله يعمل لديكم.
• عندما نريد التمييز بين المعاني الحرفيّة لمقولتين، فإنّ أحد الطرق هو التفكير في مواقف يكون فيها أحد البيانين صحيحاً والآخر خاطئاً. أو التفكير في التورّطات المختلفة التي يمكن لكلٍ منهما التوصيل إليها. طبّق هذا الأسلوب على كلّ زوجٍ من البيانات التالية:
1-
أ- سأحاول الحضور
ب- سوف أحضر
2-
أ- يُعدّ هذا أقدم المباني في حرم الجامعة
ب- يعد هذا من أقدم المباني في حرم الجامعة
3-
أ-قريباً جداً سيموت سوبرمان
ب- قريباً جداً قد يموت سوبرمان
4-
أ- يمكن إثبات صحة هذا الزعم
ب- لا يمكن إثبات خطأ هذا الزعم
• تأمّل في هاتين المادّتين اللتين قد تصادفهما ضمن عقد إيجار. كيف يمكنك تبيين الفرق بين معنييهما الحرفيّين؟
1- بعد اثني عشر شهراً يمكن إنهاء العقد بموجب إنذار مدّته شهران.
2- بعد اثني عشر شهراً يمكن تقديم إنذار مدّته شهران وإنهاء العقد بموجبه.
ترّيّث ولا تتعجل الاطلاع على الإجابة التالية.
الإجابة:
البيان الثاني يقول إن الإنذار بإنهاء العقد لا يمكن توجيهه إلاّ بعد اثني عشر شهراً. و عملياً يعني هذا أن المدّة الدنيا لعقد الاستئجار هي 14 شهراً.
ويختلف هذا عن البيان الأوّل الذي ينصّ على إمكانية إنهاء العقد بعد اثني عشر شهراً شريطة توجيه إنذار قبل شهرين. ليس في هذا البيان ما يلزم بتوجيه الإنذار بعد اثني عشر شهراً، وهكذا فإنّ المدّة الدنيا للعقد حسب هذا البيان هي اثنا عشر شهراً شريطة توجيه الإنذار بعد عشرة أشهر على الأكثر.
|
..... آستغفر آلله .., آستغفر آلله .., آستغفر آلله .., آستغفر آلله ..,
كثر مآ ضآق صدري...,
آللهم صلي وسلم على سيدنآ ||*محمد آللهم صلي وسلم على سيدنآ ||*محمد آللهم صلي وسلم على سيدنآ ||*محمد
|