تأذي الملائكة بالروائح الكريهة
عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ.
في الحديث مسائل :
1- استشعار حضور الملائكة للصلوات ، واحترام هذا الحضور ولو مع غير الرؤية.
2- احترام شعور المصلِّين ، سواء في الروائح الكريهة كالثوم والبصل والكراث ، أو روائح السجائر والتدخين ، أو روائح الجوارب.
أو كان ذلك بالأصوات كأصوات تنظيف الأنف ، التي تتقزّز منها النفوس ، ويتأذى منها الناس.
3- الحرص على عدم أذيّـة الناس ، لأن المصلي في الجماعة يطلب مزيد الأجر ، فلا يطلب مزيد الأجر بارتكاب ما يأثم به.
4- قاس العلماء على هذا الحديث : من يتأذى الناس منه بلسان أو حال.
قال القرطبي في التفسير :
قال العلماء : وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل من تأذّى به جيرانه في المسجد
بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم ، أو كان ذا رائحة قبيحة لا تريمه ، لسوء صناعته ، أو عاهة مؤذية ، كالجذام وشِبهه
وكل ما يتأذى به الناس ؛ كان لهم إخراجه ما كانت العلة موجودة حتى تزول.
وقال :
قال أبو عمر بن عبد البر : وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام - رحمه الله - أفتى في رجل شكاه جيرانه
واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده ، فَشُوور فيه فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه ، وألا يشاهِد معهم الصلاة
إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه . فذاكرته يوما أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك ، وراجعته فيه القول
فاستدلّ بحديث الثوم وقال : هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم ، وصَاحِبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد . اهـ .
والجامع بينها أن هذا مما يتأذى منه بنو آدم.
5- لو كان جماعة المسجد كلهم يأكلون الثوم – مثلاً – فهل يُنهون عن أكل الثوم ؟ أو يُقال : إنه لا أحد منهم يتأذى بمثل هذه الروائح ؟
الصحيح : أنه يجب احترام المساجد وتعظيمها ، وأن العلة ليست تأذى الناس فحسب ، وإنما يُضاف إليها تأذى الملائكة .
ففي حديث الباب النص على ذلك : فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ .
والله تعالى أعلم.
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
|
|
|